في كانون الثاني من العام 2017 بدأت مُفاوضات آستانة، ويومي الخميس والجمعة في 1 و2 آب، تستضيف العاصمة الكازاخستانية "نور سُلطان" (آستانة سابقًا) الجولة رقم 13 من هذه المُفاوضات، بمُشاركة الثلاثي المعروف: روسيا وإيران وتركيا. والمُفارقة أنّ لبنان سيحضر هذه المرّة الجولة الجديدة من هذه المُفاوضات، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ بداية أولى جولات التفاوض في جنيف. فهل من إنعكاسات أو نتائج إيجابيّة أم سلبيّة لهذه المُشاركة؟.
بداية، لا بُد من الإشارة إلى أنّ لبنان الذي تلقّى دعوة مزدوجة من جانب كل من السُلطات الروسيّة والكازاخستانيّة للمشاركة في الجولة 13 المّذكورة، سيحضر الإجتماعات بصفة مُراقب، شأنه في ذلك شأن كل من العراق والأردن، باعتبارهم من دول الجوار التي تأثّرت بإرتدادات الأزمة السُورية، إضافة إلى ممثلّين عن مُنظّمة الأمم المتحدة. وقد كلّف لبنان الرسمي، السفير غدي خوري، مدير العلاقات الخارجيّة في وزارة الخارجيّة، ومدير مكتب وزير الخارجيّة جبران باسيل، تمثيله في المُحادثات المرتقبة في العاصمة الكازاخستانية، علمًا أنّ السفير خوري يملك خبرة واسعة في هذا المجال، حيث أنّه مُكلّف أساسًا بإدارة العلاقات مع المُنظّمات الدوليّة. وبالتالي، لا صحّة للمعلومات التي كانت تحدّثت في السابق عن مُشاركة سياسيّة وعسكريّة مُوسّعة ضُمن الوفد اللبناني.
من جهة أخرى، من الضروري التذكير أنّ مُحادثات آستانة يومي الخميس والجمعة المُقبلين ستُركّز على ثلاثة ملفّات رئيسة، هي:
أوّلاً: ملف مُحافظة إدلب، وسُبل ضبط التصعيد الميداني المُتجدّد، والذي أعاد رفع أعداد ضحايا الحرب السُوريّة من جديد. يُذكر أنّ الإتفاقات السابقة التي تمّت برعاية روسية–تركيّة، وأطلق عليها إسم "خفض التصعيد" تمرّ بمرحلة خطر شديد حاليًا، بفعل تجدّد الغارات والقصف على العديد من مناطق إدلب، في مُقابل تجدّد الهجمات على مواقع الجيش السُوري في أكثر من مكان أيضًا. وتسبّبت هذه المعارك المُتجدّدة في سوريا، بنزوح أكثر من أربعمئة ألف شخص في شمال غرب سوريا، لا سيّما من بلدات ريف إدلب الجنوبي ومن شمال مُحافظة حماة.
ثانيًا: ملفّ اللجنة الدُستورية التي يُعمل على تشكيل أعضائها، علمًا أنّ هذه اللجنة ستُكلّف بمهمّات رئيسة خلال المرحلة الإنتقاليّة، لا سيّما لجهة صياغة دُستور جديد لسوريا، ووضع الأسس المُناسبة للقوانين الإنتخابيّة، إلخ. يُذكر أنّ هذا الملف يُواجه مشاكل بالنسبة إلى التوافق على كل أسماء أعضائه، وبالنسبة إلى القواعد الإجرائيّة والتنفيذيّة والإداريّة للجنة الدُستوريّة المَنوي تشكيلها.
ثالثًا: ملفّ النازحين السوريّين إلى دول الجوار، وسبل تأمين عودة آمنة ومُنظّمة لهم، والأهم سُبل توفير الدعم المالي المَطلوب لهذه الخطوة المُترابطة بشكل أو بآخر بمسألة إعادة الإعمار في سوريا. يُذكر أنّ المحور الأميركي–الأوروبي-الخليجي يرفض توفير الدعم المالي للجانب السُوري، لتمويل عمليّات إعادة الإعمار، قبل التوصّل إلى تسوية نهائيّة للحرب السُورية تأخذ مصالح مُختلف القوى والدول المَعنيّة في الإعتبار، وتُحدّد مصير الرئيس السُوري بشار الأسد، وتاريخ نهاية ولايته بشكل واضح.
وبالتالي، إنّ مُشاركة لبنان في المُحادثات بشأن الحرب السُوريّة–ولوّ بصفة مُراقب، ستتيح له الإطلاع عن قرب عمّا يجري طرحه من حلول في ما خصّ الملفّ الأساسي الذي يعنيه، والمُتمثّل في قضيّة النازحين السُوريّين المُنتشرين في قراه وبلداته ومدنه، والذين يُقدّر عددهم بما لا يقلّ عن مليون ونصف مليون شخص، مع العلم أنّه بإستطاعة المُفاوض اللبناني إبداء الرأي والتعليق على المواضيع وعلى الحلول المَطروحة. وتردّد أنّ لبنان تلقّى وعودًا روسيّة بأن يضغط الجانب الروسي بإتجاه إيجاد الحلّ المناسب لملفّ النازحين السوريّين إلى دول الجوار، وأن يُلاقي الموقف اللبناني من هذه القضيّة خلال نقاشات الجولة 13 المُرتقبة. وفي كلّ الأحوال، من غير المُستبعد أنّ تؤسّس هذه المُشاركة اللبنانيّة الرمزيّة هذه المرّة-بصفة مراقب، لمُشاركة أكثر فعاليّة في أيّ مفاوضات مُستقبليّة مُخصّصة لقضيّة النازحين، وهو الملف الذي يجهد لبنان الرسمي لإيجاد الحلول المُناسبة له في أسرع وقت مُمكن، بسبب ما تركه من إنعكاسات سلبيّة على البنى التحتيّة اللبنانيّة، ومن ثقل على الإقتصاد الوطني، ومن مُزاحمة غير شرعيّة لليد العاملة اللبنانيّة.
في الخلاصة، لا سلبيّات تُذكر لمُشاركة لبنان في المُفاوضات التي تستضيفها العاصمة الكازاخستانيّة، لأنّ وفده لن يُشارك بأي نقاشات سياسيّة، بل سيكون مُراقبًا غير مُنحاز لوجهة أي محور، وهمّه الوحيد الدفع نحو إيجاد حلّ لأزمة النازحين في أسرع وقت مُمكن.